مصر تسعى لمنع تصعيد الاحتلال مع غزة وتوتر بين تل أبيب وعمّان
فيما تحاول مصر منع التصعيد الناجم عن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للحرم القدسي الشريف بالضغط على الفصائل الفلسطينية في القطاع بضبط النفس عاد التوتر بين الأردن وإسرائيل واتسمت التصريحات المتبادلة بينهما بلهجة شديدة. فبعدما وبّخ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نائب السفير الإسرائيلي في عمان قال رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت في تلميح للموقف الأردني إنه يتوقع من الجميع عدم الانضمام للأكاذيب وبالتأكيد عدم تشجيع العنف ضد اليهود”. وجاء تصعيد اللهجة والإجراءات الدبلوماسية الأردنية على خلفية حالة الغضب الكبير داخل الأردن نتيجة استمرار اقتحامات المستوطنين والجنود الإسرائيليين للحرم وتوثيق الاعتداءات على النساء والصحافيين والمسنين والمصلين بأشرطة فيديو تنشر في العالم.
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أعلن عن استدعاء القائم بأعمال السفارة الاسرائيلية في الأردن الى وزارة الخارجية الأردنية لتسليمه خطاب احتجاج على خلفية الأحداث الأخيرة في الحرم القدسي. وحسب وكالة “بترا” الأردنية قال الصفدي “لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية للتوصل الى سلام عادل وشامل، الدفاع عن الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين موجودة في أعلى سلم أولويات الأردن والملك عبد الله يقوم بكل الوسائل للحفاظ عليها”. كما كان رئيس الحكومة الأردنية بشر الخصاونة قد انتقد بشدة في وقت سابق السلوك الإسرائيلي في الحرم القدسي خلال جلسة البرلمان. وقال الصفدي إنه يحيي كل فلسطيني وكل موظف في الأوقاف في القدس يرشق الحجارة ضد الصهاينة لحمايته من الاحتلال”.
اتهامات إسرائيلية
في المقابل قالت وزارة خارجية الاحتلال في بيان إن استدعاء نائب السفير الإسرائيلي لدى الأردن والتصريحات الصادرة عن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية “يقوض جهود إحلال السلام في القدس ويعطي زخما لمن ينتهك حرمة الأعياد ويلجأ إلى العنف الذي يعرض أرواح المواطنين المسلمين واليهود على حد سواء، إلى الخطر”. وزعمت أن “إسرائيل ملتزمة وتعمل بلا كلل لضمان حرية الدين والعبادة لليهود والمسلمين والمسيحيين في القدس على مدار الأيام وخلال فترة الأعياد على حد سواء، وبالتأكيد خلال هذه الفترة التي يجتمع فيها عيد الفصح اليهودي ورمضان، مدعية أن السلوك الإسرائيلي المسؤول في الحرم القدسي خلال الأسابيع الأخيرة، يعكس هذه السياسة الثابتة والتصميم على تنفيذها” لكن بعض كتاب الرأي الإسرائيليين انتقدوا اليوم الثلاثاء استخدام شرطة الاحتلال القوة المفرطة وضربها أبرياء فلسطينيين داخل الحرم القدسي. وهذا ما أقر به أيضا قائد شرطة القدس المحتلة معتبرا أن هناك حاجة للبحث في مثل هذه الحالات وإن كانت قليلة جدا”.
وفي انتقاد مبطّن للأردن أضافت خارجية الاحتلال: “يجب على كل شريك مسؤول أن يدرك ذلك وألا يشارك في نشر أخبار كاذبة لا تؤدي إلا إلى إثارة الأجواء. تصريحات الدعم لأعمال العنف، بما في ذلك رشق الحجارة، لا يمكن تصورها وتساهم في التصعيد”. ورغم كل هذه الانتهاكات والاعتداءات تدعي الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل نحافظ على “الوضع الراهن”.
وقبل ذلك أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد مباحثات حول سبل الرد على وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي واستدعائه القائم بأعمال سفارة إسرائيل لدى المملكة للاحتجاج “الصارم” على ما يجري في المسجد الأقصى. ونقلت القناة الإسرائيلية الرسمية عن مسؤول إسرائيلي محجوب الهوية قوله إن هناك خيبة أمل في إسرائيل من موقف الأردن. ونقلت عن مصادر في وزارة الخارجية الإسرائيلية قولها إن تصرف الصفدي يؤجج التوترات في القدس، ويصل إلى حد تعريض حياة الإسرائيليين المحتفلين بعيد الفصح إلى الخطر”. وأشاروا لتوقعاتهم من الأردن المساهمة في “تهدئة الأجواء واحترام قدسية العيد لجميع الشعوب”. وهكذا نقلت الإذاعة العبرية العامة عن مصادر في خارجية الاحتلال قولها إن الجانب الأردني يختار فقط النظر إلى أفعال الجانب الإسرائيلي وعدم شجب المشاغبين الفلسطينيين. يشار إلى أن مصادر إسرائيلية كشفت أمس أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني طلب من إسرائيل وقف استفزاز المسلمين وتهدئة الوضع في القدس فيما طالب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الولايات المتحدة بالتدخل لوقف ما يحدث في الحرم القدسي الشريف.
وفي ظل انتقادات الدول المجاورة والهجمات المتواترة عليه من جانب المعارضة يتبنى رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت خطا علنيا متصلبا فقد نقل عنه القول بعد اجتماع مع مندوبي المؤسسة الأمنية إن المستوى السياسي يعطي قوات الأمن الحرية للقيام بكل ما هو مطلوب لحفظ الأمن للإسرائيليين. من جهة أخرى يسعى لتخفيف حدة التوتر ومنع التصعيد أكثر فتبنى موقف وزير الأمن بيني غانتس لرفع الحصار عن الضفة الغربية في فترة الأعياد اليهودية. ومن المرجح أن يسعى بينيت لاستيعاب الأزمة مع الأردن بعدما قاد سياسة مغايرة معه بخلاف ما انتهجته حكومات نتنياهو، وهذا ما انعكس في زيارة مسؤولين إسرائيليين كثيرين للمملكة الأردنية. وكانت حكومة بينيت التي تعرف نفسها بـ “حكومة التغيير” قد شرعت فور تشكيلها قبل نحو عام لترميم العلاقات مع الأردن بتوصية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي ترى بالعلاقات مع المملكة ذخرا استراتيجيا خاصة أنها تملك أطول حدود مع إسرائيل وتعتبر الحد الفاصل بينها وبين المنطقة الشرقية وصولا للعراق وإيران. وقال السفير الإسرائيلي السابق في عمان إن تصريحات رئيس الحكومة الأردنية خرجت عن اللياقة الدبلوماسية بعدما فقد صوابه وأدلى بتصريحات قاسية متهما إياه بمحاولة رفع منسوب شعبيته المتدنية بتصريحات عالية مناصرة للقدس والأقصى.
تزامنا تسعى حكومة الاحتلال لمنع تفاقم التوتر والانزلاق نحو مواجهة عسكرية مع غزة فهي الأخرى غير معنية بفتح جبهة جديدة مقابل القطاع علاوة على الضفة الغربية خاصة القدس والتوترات بين العرب واليهود داخل الخط الأخضر ولذا يستمر التنسيق مع مصر. ويبدو أن المقاومة الفلسطينية داخل القطاع هي الأخرى غير معنية بتصعيد الموقف والدخول في حرب جديدة مع إسرائيل وتكتفي بالضغط والتهديد لردع الاحتلال من تصعيد الاعتداءات في القدس وهذا مرده جملة عوامل. ويبدو أن حركة حماس وسائر منظمات المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزة معنية بمواصلة مشروع الإعمار ومعالجة الأضرار والجراح الناجمة عن حرب “حارس الأسوار” في مايو/أيار 2021. كذلك من المرجح أن تسعى حماس للاحتفاظ بقوة ردعها وبصورتها وبمكتسباتها بعد الحرب المذكورة التي أقرت بها إسرائيل أيضا بعدما باغتتها بصواريخ نحو القدس ولاحقا في العمق الإسرائيلي دون توقف أياما طويلة. وهناك تقييمات بأن حركة حماس معنية أيضا بمحاولة فك الحصار السياسي المفروض على القطاع منذ 2007 ومعالجة ملف تبادل الأسرى العالق. يضاف لذلك الضغوط من جهة مصر غير الراغبة بتدهور الأوضاع خاصة أنها فتحت بوابات سيناء للتو أمام السياح الإسرائيليين متمنية أن تعوض بذلك توقف وصول السياح الروس والأوكرانيين إليها بسبب الحرب في أوكرانيا.
ويحذر الباحث الإسرائيلي افرايم غانور مجددا من المزيد من التوتر مع الأردن وقال في حديث للإذاعة العامة إنه بحماسة التحريض الناشئ قد ينشأ وضع من فقدان السيطرة. ويتابع “كبوة إسرائيلية أو فلسطينية قد تحولان الواقع إلى انتفاضة أخرى تخرج عن السيطرة، وبخاصة حين تقف إيران جانبا وهي تحمل دلاء الوقود المعدة لتصعيد شدة الحريق”. وشدد على ضرورة توجيه الأنظار الإسرائيلية نحو الأردن أيضا معللا ذلك بالقول إن المظاهرات الكبرى التي جرت هناك ضد إسرائيل في نهاية الأسبوع والتي دعت الملك عبد الله لطرد السفير الإسرائيلي من عمان وإعادة السفير الأردني من تل أبيب، تخدم الإيرانيين بقدر كبير. ويضيف: “ومن شأن الأغلبية الفلسطينية في الأردن أن تساعدهم إذا ما وصل الاشتعال هنا إلى انتفاضة غير قابلة للتحكم”.
الوصاية على الحرم
ويستذكر زميله الباحث أمنون رامون المختص بالشؤون الأردنية في حديث للإذاعة ذاتها أن وزير الأمن الإسرائيلي الراحل موشيه يعلون قرر بعد حرب 1967 نقل الوصاية على الحرم القدسي الشريف للأردن استجابة لتوصية مستشاره دافيد فرحي. وكان فرحي قد حذر من عدم إمكانية إدارة الاحتلال في الضفة الغربية والقدس دون ترتيب موضوع الحرم القدسي الشريف داعيا لإبقاء السيطرة بيد الأردن مقابل تحكم إسرائيلي خارجي.
ويحذر رامون من أن تحويل الحرم لمكان عبادة مشترك للمسلمين واليهود يعني فقدان لحظة هدوء واحدة مستذكرا أن ديان نجح بتمرير هذا القرار في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية وفي الحكومة بفضل التحريم الديني من القرن التاسع عشر بمنع اليهود من زيارة الحرم والاكتفاء بالتعبد في ساحة البراق. كما قال رامون إن اليهود بدأوا يزورون الحرم القدسي فور احتلاله عام 1967 منوها إلى أن التغيير المركزي الذي حصل بعد ذلك ويؤثر على الأوضاع حتى اليوم يكمن في قيام تلاميذ الحاخام كوك من أن أتباع التيار القومي – الديني بزيارة الحرم رغم فتوى حاخامهم بمنع ذلك. وتابع “نشهد أيضا في السنوات الأخيرة أن الشرطة بخلاف الماضي تسمح بالقيام بصلوات صامتة داخل الحرم القدسي وهذا تهديد بعيون الفلسطينيين والمسلمين”.