شهادات صادمة من داخل السجون: أسرى غزة يكشفون جرائم تعذيب ممنهج وانتهاكات قاسية

نشرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، اليوم الخميس، شهادات جديدة لمعتقلين من قطاع غزة، تكشف عن مستوى غير مسبوق من الجرائم والانتهاكات التي تعرّضوا لها خلال اعتقالهم والتحقيق معهم، بالإضافة إلى ما يواجهونه من ظروف احتجاز مأساوية داخل السجون والمعسكرات الإسرائيلية.

وأوضحت المؤسستان في بيان مشترك أن الطواقم القانونية زارت عددًا من المعتقلين في سجون "النقب"، "عوفر"، "سديه تيمان"، و"المسكوبية" خلال شهر تموز/ يوليو 2025، وحصلت على إفادات مروعة حول التعذيب الجسدي والنفسي، والتجويع، والحرمان من العلاج، وجرائم طبية تنتهك أبسط حقوق الإنسان.

إفادات مباشرة من الأسرى

وجاء في إحدى الشهادات أن السجّانين سكبوا الماء الساخن على جسد أحد المعتقلين داخل "سجن النقب"، فيما تحدث معتقل آخر عن إجباره على شرب الخمر وتجريده من ملابسه. وذكر أسير ثالث أنه تعرّض لتعذيب نفسي شديد بعدما أخبره المحققون كذبًا أن جميع أفراد عائلته قد قُتلوا، ما دفعه لمحاولة الانتحار.
كما أفاد معتقلون آخرون بتعرضهم للضرب بأدوات حادة، والحرمان من أبسط مقومات الرعاية الصحية، حيث انتشرت الأمراض داخل أقسام الاحتجاز، أبرزها الجرب، في ظل انعدام النظافة وسُبل العلاج.

ومن بين الشهادات المؤلمة التي وردت في التقرير، تحدث المعتقل (م.ي) عن واحدة من أبشع وسائل التعذيب التي تعرض لها، حيث قال إن السجّانين سكبوا الماء الساخن على جسده أثناء احتجازه في سجن "النقب"، مشيرًا إلى أن الخيام التي يُحتجز فيها المعتقلون تفتقر لأدنى مقومات الحياة، ويُجبرون فيها على الصوم طوال النهار بسبب رداءة الطعام وعدم صلاحيته للأكل.

وفي شهادة أخرى، قال المعتقل نفسه إنه اعتُقل في شباط/ فبراير 2024 من الممر الآمن، وتعرض خلال تنقله بين المعسكرات والسجون لأساليب تنكيل مختلفة، أبرزها تجريده بالكامل من ملابسه، وإجباره على شرب الخمر، وذلك خلال احتجازه في معسكر قرب القدس.

أما المعتقل (ح.ن)، فقد روى تجربة تعذيب نفسي قاسية دفعت به إلى محاولة الانتحار. فبعد اعتقاله في كانون الأول/ ديسمبر 2024 عبر حاجز الإدارة المدنية، تم ضربه وتجريده من ملابسه، ثم أبلغه أحد المحققين بأن عائلته قُتلت بالكامل في قصف إسرائيلي. صدمة الخبر أدخلته في أزمة نفسية عميقة كادت تنهي حياته، قبل أن يعلم من المحامي خلال زيارة لاحقة أن عائلته لا تزال على قيد الحياة.

ومن داخل سجن "النقب"، وصف المعتقل (ه.د) تفاصيل الإذلال اليومي الذي يعيشه الأسرى، مشيرًا إلى أنهم يُجبرون على الجلوس على الركبتين وأيديهم إلى الخلف لفترات طويلة خلال ما يُسمى "الفحص الأمني". وأوضح أنهم يعيشون في خوف دائم وسط تفشٍ خطير للأمراض، إلى جانب الحرمان من العلاج والاحتياجات الأساسية.

المعتقل (أ.و) تحدّث هو الآخر عن إصابة بالغة تعرّض لها خلال نقله من سجن "عوفر" إلى "النقب"، حيث ضُرب بقيود معدنية على رأسه، ما أدى إلى ضعف حاد في نظره بالعين اليسرى، وصداع مزمن، وفقدان للتوازن. كما أُصيب بمرض الجرب بسبب الأوضاع الصحية المتردّية، وعاد إليه المرض بعد شفائه نتيجة استمرار الإهمال.

ولم يكن المعتقل (خ.ي) أفضل حالًا، إذ أكد أنه تعرّض لضرب مبرّح أثناء اعتقاله من مدرسة في حي الشجاعية، ما أدى إلى كسر في مفصل ساقه اليمنى، دون أن يتلقى أي نوع من العلاج، حتى المسكنات البسيطة. ما يزال يعاني حتى اليوم من ألم دائم وصعوبة في المشي.

أما المعتقل (ه.ر) فقد تعرّض لهجوم عنيف من كلب بوليسي نهش قدمه خلال لحظات اعتقاله من رفح، ثم تنقّل بين عدة مواقع احتجاز، منها "غلاف غزة"، "عوفر"، و"المسكوبية"، حيث وُضع في العزل الانفرادي لأربعة شهور، وتعرض لتحقيقات قاسية من قبل المخابرات. وفي شهادة حديثة له، قال إنه تعرّض للضرب الوحشي بالهراوات قبل أيام قليلة فقط من زيارة المحامي.

أوضاع كارثية ومجهولون في المعتقلات

وأكدت المؤسستان أن الشهادات الموثقة تمثل جزءًا من مئات الإفادات التي جمعها المحامون منذ بدء حرب الإبادة على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. كما أشار البيان إلى أن آلاف المعتقلين لا يزالون مجهولي المصير نتيجة جريمة الإخفاء القسري، وسط حرمان المؤسسات الحقوقية من الوصول إليهم أو توثيق أوضاعهم.

ووفق آخر إحصائية لمصلحة السجون الإسرائيلية حتى مطلع تموز/ يوليو 2025، بلغ عدد معتقلي غزة المصنّفين "مقاتلين غير شرعيين" نحو 2454 أسيرًا، دون احتساب من لا يزالون في معسكرات الجيش. ويُحتجز الجزء الأكبر منهم في سجن "النقب" ومعسكر "عوفر"، تحت ظروف غير إنسانية.

قانون الإخفاء والتعذيب: أداة للإفلات من العقاب

وتؤكد المؤسستان أن "قانون المقاتل غير الشرعي" يشكّل غطاءً قانونيًا لجريمة الإخفاء القسري، ويُستخدم كأداة لتقنين التعذيب والانتهاكات الجماعية بحق المعتقلين من قطاع غزة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
دعوة للمحاسبة الدولية

في ختام البيان، شدّدت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير على أن الاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في جرائمه ضد الأسرى والمدنيين على مرأى العالم، دون أن يواجه أي محاسبة جدّية. وأضاف البيان:"مرور الوقت دون تحرّك حقيقي يضع علامات استفهام على جدوى وجود منظومة حقوقية دولية، ويعكس حالة استثناء خطيرة يتمتع بها الاحتلال، على حساب القانون وكرامة الإنسان."