جنرال إسرائيلي: من المهم إظهار أن حل الدولتين ما زال ممكنًا
يؤكد كتاب إسرائيلي جديد أن هناك هجرة سلبية في عدد المستوطنين داخل الضفة الغربية ويكشف عن عمليات تضليل وتزوير الحقائق في تقاريرهم الهادفة لقتل فكرة الدولتين ومنع تسوية الصراع بالتأثير على وعي الإسرائيليين. ويقول الجنرال في الاحتياط الباحث شاؤول أرئيلي في كتابه الجديد “يتشبثون بالأرض أم يضللون… تأثير المستوطنات على احتمالية حل الدولتين” إن وراء كل أسطورة يوجد هدف سياسي، كلما كان أبعد من الواقع فسيصغر عامل الحقيقة الموجود في الأسطورة ويزيد فيها عامل الاختلاق، الذي يخلق غلافا من الادعاءات والتفسيرات المنحازة، ويسمح للأسطورة بأن تنقل رسالة اجتماعية – سياسية بصورة مثيرة للمشاعر، التي لا تصمد أمام اختبار الحقائق. ويضيف” كلما كان الهدف السياسي ملحا أكثر فإن اتباع الأسطورة سيحاولون تطويرها بصورة أشد.
لا يوجد مثل التقرير السنوي لمجلس المستوطنات مع المعطيات الديموغرافية عن المستوطنين من أجل أن يثبت ذلك. يريد التقرير الإشارة الى ازدهار إسرائيل في الضفة الغربية من أجل ترسيخ أسطورة أن المستوطنات حولت حل الدولتين الى أمر غير ممكن، والآن بعد فترة قصيرة سيكون بالإمكان ضم المنطقة دون المس بالحلم الصهيوني حول دولة ديمقراطية مع أكثرية يهودية”. وينبه الباحث الإسرائيلي، وهو الخبير الأول في الخرائط ومن أنصار حل الدولتين، أن لهذه الاسطورة نجاحا كبيرا في روح المجتمع الاسرائيلي – 80 % من مؤيدي حل الدولتين يعتقدون أنه غير ممكن في الأساس بسبب نجاح مشروع الاستيطان.
ويستذكر أنه في كل سنة ينشر تقرير مجلس الاستيطان مع بيانات انتقائية جدا تثير في القارئ الشعور بأن الامر يتعلق بسنة أخرى ناجحة لمشروع الاستيطان الإسرائيلي. ويتابع: هذا “النجاح” أجمله في الشهر الماضي رئيس مجلس المستوطنات دافيد الحيان في القناة العبرية السابعة بالكلمات التالية: نحن سعداء لتبشيركم أنه في هذه السنة يتوقع أن نتجاوز سقف نصف مليون مواطن في الضفة الغربية”.
النصر يصبح مهزلة
لكن مثلما في كل سنة، بعد بضعة أسابيع على نشر تقرير مجلس المستوطنات نشر المكتب المركزي للإحصاء بيانات (22/3)، تظهر أن تقرير مجلس المستوطنات يكشف عن الجانب الإيجابي ويخفي الجوانب السلبية، منبها أن هذه البيانات تحوّل احتفال النصر الاستيطاني الى مهزلة. ويقول إنه بعد فحص البيانات والتوجهات الموجودة في تقرير المكتب المركزي للإحصاء فإن ذرة الحقيقة في تقرير مجلس المستوطنات تتضاءل، وتنقلب الأمور رأسا على عقب، ونحصل على صورة محزنة جدا بالنسبة لاتباع الأسطورة المذكورة أعلاه. ويقول أرئيلي إن بذرة الحقيقة في تقرير مجلس المستوطنات من العام الماضي تتلخص في الأساس ببيان واحد: الزيادة السنوية في المنطقة أعلى من الزيادة داخل الخط الأخضر. وعن ذلك يضيف “حتى لو لم تكن بيانات التقرير للعام 2021 مشابهة لبيانات المكتب المركزي للإحصاء، يشير التقرير الى زيادة تبلغ 3.3 % في الضفة الغربية، في حين أن المكتب المركزي للإحصاء يشير الى زيادة تبلغ 2.6 %فقط. ويوضح أن التقرير الاستيطاني يشير الى زيادة 15890 نسمة، في حين أن تقرير المكتب المركزي للإحصاء يذكر فقط 11805 نسمة، فإن الادعاء صحيح: الزيادة السنوية داخل الخط الاخضر هي 1.7 %”.
أرئيلي، الباحث الإسرائيلي الذي سبق وأصدر كتابا مهما آخر قبل شهور حول أهم وأخطر أسطورة صهيونية تحول دون تحقيق تسوية الصراع، يؤكد أنه من هذه المرحلة يبدأ تضليل عن طريق عرض بيانات انتقائية. وعن ذلك يقول: “الآن سأعرض بيانا واحدا يمكن من خلاله أن نستنتج البيانات الباقية. حسب تقرير مجلس المستوطنات فإنه في المدن الأربع اليهودية في الضفة الغربية (موديعين، بيتار عيليت، معاليه ادوميم واريئيل) كانت هناك زيادة سنوية تبلغ 2.6 % وسكانها يشكلون 43% من إجمالي عدد السكان اليهود في الضفة الغربية. وفي رأيه يعكس هذا الرقم زيادة سنوية أعلى مما في إسرائيل، ويبدو أنه يؤكد الادعاء بشأن نجاح مشروع الاستيطان. لنتجاهل أن المكتب المركزي للإحصاء يشير الى زيادة 2.4 % وأن السكان في هذه المدن يشكلون 46 % من إجمالي السكان اليهود في الضفة الغربية وسنركز على ما أراد مجلس المستوطنات إخفاءه من خلال تمثيل موحد للمدن الأربع دون تمييز بينها ودون الدخول في تفاصيل”.
وعما يخفيه مجلس المستوطنات يستعرض أرئيلي عدة نقاط: أولا، هذه المدن الأربع تعاني منذ سنوات من ميزان هجرة داخلي سلبي بلغ هذه السنة بصورة متراكمة لها جميعها -1154. أي أنه غادر الأربع مدن 1154 شخصا أكثر ممن انضموا إليها. ثانيا، عدد سكان معاليه ادوميم في نهاية 2021، 37533، كان أقل من عددهم في نهاية 2020، 37846 نسمة. أي أن معاليه ادوميم ليس فقط تعاني منذ عشر سنوات متتالية من ميزان هجرة داخلي سلبي، بعد أن غادرها في العقد الأخير 5105 أشخاص، أكثر مما انتقلوا إليها (937 من بينهم في السنة الأخيرة)، ولكنها أيضا تعاني من زيادة سنوية سلبية للسنة الثانية على التوالي. الوضع في اريئيل مشابه. أيضا في 2021، مثلما في السنوات الثماني من الـ 12 سنة الأخيرة اريئيل عانت من ميزان هجرة سلبي هو -217. لو لم يصل إليها 27 مهاجرا جديدا فإن اريئيل كانت ستنهي 2021 بصورة مشابهة لسابقتها، مع زيادة سنوية سلبية. أي أنه في 2021 انضم الى اريئيل 59 شخصا فقط. هذه العملية حولتها الى المستوطنة الخامسة في حجمها (بدلا من الرابعة) بعد جفعات زئيف التي حصلت على زيادة أصولية كبيرة”.
وينبه الى أنه خلافا للادعاءات فإن هذا التوجه في المدن لا يرتبط بعدم إعطاء تصاريح عمل ويتساءل ماذا بخصوص المدن الأصولية اليهودية؟ وعن ذلك يقول: أيضا هناك تواصل الهجرة السلبية في 2021 هذا المنحى الذي كان في سنتين من السنوات الثلاث الأخيرة. موديعين عيليت، المدينة اليهودية الأكبر في الضفة الغربية، وبيتار عيليت، المدينة الثانية من حيث حجمها، غادرهما في السنة الماضية على التوالي 280 و4771 شخص أكثر من الذين انتقلوا إليهما. ولكن خلافا للمدينتين العلمانيتين الأصغر فإن المدينتين الأصوليتين تحظيان بمعدل عال جدا من الزيادة الطبيعية وفي المدينتين أضيف ما لا يقل عن 5638 نسمة. ويشير إلى أن الزيادة الطبيعية في المدن الأصولية هي 88.2 % من إجمالي الزيادة الطبيعية في المدن الأربع والأهم من ذلك هو أنها تشكل 84.3 % من إجمالي الزيادة السنوية في المدن الأربع. أي أن ميزان الهجرة الداخلية السلبي العالي يتم الاقتطاع منه عن طريق الزيادة الطبيعية العالية جدا، الذي ينقص أيضا الزيادة السنوية السلبية لاريئيل ومعاليه ادوميم. وبكلمات أخرى، هذا هو الطين الذي يغلق به مجلس المستوطنات الثقوب الكبيرة في تقريره.
ويشير أرئيلي الى أن هناك من يقول إن هذا لا يغير النتيجة النهائية وهي أن عدد الإسرائيليين في الضفة الغربية قد ارتفع ولكنه يتحفظ من هذه المزاعم بالقول “توجد حول هذا الأمر عدة ملاحظات. الأولى، الزيادة في نسبة الأصوليين من بين سكان الضفة الغربية يعني استمرار الهبوط في التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي للسكان الإسرائيليين جميعهم في الضفة. معدل الإسرائيليين في الضفة الغربية الموجودين في العنقود الأدنى (رقم 1) جميعهم من سكان المدينتين الأصوليتين، هو أكبر بعشرة أضعاف من نسبة الإسرائيليين داخل الخط الأخضر المصنفين في هذا العنقود. ويوضح أن هذا يحدث، ضمن أمور اخرى، لأن معدل السكان الأصوليين في الضفة الغربية أكبر أربعة أضعاف مما هو في إسرائيل منوها أن الزيادة الطبيعية العالية وميزان الهجرة السلبي تقلل عمر السكان: في موديعين عيليت 66.2 %من سكان المدينة، وفي بيتار عيليت 63.2 %، هم تحت جيل 19 سنة أي هذه المجموعة السكانية هي فقيرة جدا، حتى بالنسبة للمجتمع الأصولي بمجمله في إسرائيل، في كل المؤشرات، التصنيف الاجتماعي – الاقتصادي، متوسط الأجور، الحصول على شهادات الإنهاء في المدارس الثانوية، نسبة الأكاديميين وغيرها. ويحذر من أن تداعيات هذه التوجهات واضحة: تحول سكان الضفة الغربية الى أصوليين متزمتين (حريديم)، أكثر شبابا وأكثر فقرا ومدعومين أكثر ومندمجين أقل، وهذا الواقع بعيد جدا عما يحاولون رسمه لنا في تقرير مجلس المستوطنات”.
ثانيا، الزيادة الطبيعية في المدينتين الأصوليتين هي 47.8 %من إجمالي الزيادة في الضفة الغربية. وعن ذلك يقول أرئيلي إنه لولا هاتين المدينتين فإن الزيادة السنوية في الضفة الغربية كانت ستكون أقل من المتوسط داخل الخط الأخضر. ويتابع “في كل اقتراح قدم من قبل إسرائيل أو الفلسطينيين في المفاوضات المختلفة فإن المدينتين القريبتين من الخط الأخضر يمكن أن تنضما لإسرائيل في إطار تبادل الأراضي، والسكان فيهما ينضوون ضمن الـ 80 %من الإسرائيليين من سكان الضفة الغربية الذين سيبقون تحت السيادة الإسرائيلية. في محاولة لنسف الزعم أن الاستيطان قتل فكرة التسوية يقول أرئيلي إنه ليس في زيادة المدن الأصولية ما من شأنه أن يغير الحدود الثابتة التي اقترحت، سواء من قبل إسرائيل أو من قبل الفلسطينيين. أيضا في الإضافة الهامشية لإسرائيليين الى المستوطنات البعيدة عن الخط الأخضر فإن ذلك لا يمكنه أن يغير هذه الحدود”.
تعداد الفلسطينيين
ثالثا: رغم الزيادة الطبيعية العالية إلا أن ميزان الهجرة الداخلية السلبي يقلص الزيادة السنوية، التي لا تنجح في تغيير الميزان الديموغرافي، الذي يوجد فيه للفلسطينيين في الضفة الغربية أغلبية ثابتة تبلغ 86 % من إجمالي السكان. ويضيف “ربما يمكن أن نغفر لرئيس مجلس المستوطنات الذي أراد استباق المستقبل عندما وعد بأنه في هذه السنة سيتجاوز خط نصف المليون نسمة في الضفة الغربية، رغم أنه حسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء فإن سكان الضفة كان عددهم في نهاية السنة الماضية 465 ألف نسمة، وليس 491 ألف نسمة مثلما ذكر في تقرير مجلس المستوطنات وبوتيرة الزيادة السنوية المتوسطة سنحتاج الى ثلاث سنوات تقريبا من أجل الوصول الى نصف مليون. ويحذر أرئيلي من خطورة التضليل بالقول “لكن نحن لا نستطيع أن نغفر له ولمجلس المستوطنات عن الإخفاء الممنهج لبيانات تقود الى تضليل. من يعرف أكثر من حياني، الذي هو أيضا رئيس المجلس الإقليمي “عربوت هيردين” عن فشل الاستيطان في منطقته. بعد 55 سنة على الاستيطان في غور الأردن، الذي تم تشجيعه عن طريق روح الأمن ورافقه استثمار بالمليارات، فإن عدد سكان المجلس الذي يمتد على 15 % من أراضي الضفة الغربية وصل في نهاية 2021 الى 6128 شخصا فقط. وضع مشابه يسود أيضا في جارته من الجنوب، المجلس الإقليمي ميغلوت يم هميلخ، وهذا المجلس يمتد على مساحة 8 % من أراضي الضفة، لكن يعيش فيه فقط 2058 نسمة في ست مستوطنات.
ويؤكد أن بيانات المكتب المركزي للإحصاء تفيد بأن منظومة المستوطنات تعاني في السنوات الأخيرة من توجهات سلبية في كل ما يتعلق بالزيادة الديمغرافية ومصادر الزيادة والتصنيف الاقتصادي الاجتماعي والخصائص الاقتصادية المختلفة. ويتابع: “إذا استمرت التوجهات القائمة فإن سكان الضفة الغربية سيتشكلون في المستقبل من أغلبية اصولية متزمتة، أقلية من المتدينين – القوميين والقليل من العلمانيين. ستتحول هذه المجموعة السكانية الأصولية الى حمل أو حدبة أمنية واقتصادية على ظهر الدولة فقيرة، ليس لها مصادر للتشغيل الذاتي وتعتمد على الدولة داخل الخط الأخضر في جميع المجالات مثل التشغيل والخدمات والدعم الحكومي وما شابه”.
وفي سياق الاستنتاج يقول إنه إذا كان الأمر هكذا فإن التحدي السياسي الأكبر الذي يقف أمام الطرفين ليس في المؤشر المكاني – الطبيعي، لأنه في هذا المؤشر حل الدولتين على أساس المعايير التي وجهت المفاوضات في انابوليس في 2007 ما زال ممكنا، بل في المؤشر السياسي. ويفسر مقولته هذه بالقول: “الظروف لإمكانية تنفيذه هي استعداد حكومة إسرائيل لإعادة تبني حل الدولتين وقدرة الفلسطينيين على تقديم عنوان شرعي واحد معتمد للتفاوض والتوقيع على اتفاق دائم. ويخلص للقول: “طريقة فعل ذلك هي الإظهار للجمهور الإسرائيلي الذي يؤيد حل الدولتين أن إمكانية ذلك قائمة، والادعاء بأن منظومة الاستيطان أخرجتها من هذه الإمكانية غير صحيحة. إن تجديد إيمان الإسرائيليين بإمكانية حل الدولتين سيؤثر بشكل دراماتيكي على القيادة في إسرائيل، سواء التي تؤيد الحل ولكنها تتجنبه خوفا من فقدان ناخبيها أو التي تعارضه، وسيمكن من تحريك عجلات العملية السياسية من جديد”.