قبيل مؤتمر الأطراف (COP11): خبراء الصحة يناقشون فاعلية السياسات العالمية بعد مرور 20 عامًا على الاتفاقية
قبيل انعقاد مؤتمر الأطراف الحادي عشر لاتفاقية مكافحة التبغ (COP11) في جنيف، تتزايد التساؤلات حول فعالية السياسات العالمية لمكافحة التدخين بعد مرور عشرين عامًا على تطبيق الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ (FCTC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية. والتي أُطلقت كأول معاهدة صحية عالمية، بهدف تقليل مخاطر التدخين والتدخين السلبي، إلا أن معدلات التدخين لا تزال مرتفعة، مع تسجيل نحو 1.1 مليار مدخن عالميًا وحوالي 8 ملايين وفاة سنويًا مرتبطة بالتدخين السلبي.
يشير محللون وخبراء الصحة العامة إلى أن التركيز المفرط على الحظر والأيديولوجيا بدلًا من اعتماد الأدلة العلمية أدى إلى جمود الاتفاقية، مع تجاهل استراتيجية "الحد من المخاطر" المنصوص عليها في المادة 1(d)، التي تشدد على تقليل المخاطر المرتبطة باستهلاك التبغ.
في هذا السياق، قال ديريك ياش، المدير السابق لمبادرة مكافحة التبغ في منظمة الصحة العالمية: "لقد أضعنا 20 عامًا من التقدم بسبب الأيديولوجيا"، موضحًا أن التركيز على الحظر فقط دون اعتماد استراتيجيات الحد من المخاطر أدى إلى تقليل فرص تحقيق نتائج ملموسة في خفض أعداد المدخنين.
من جانبه، أشار كلايف بيتس، المدير السابق لمنظمة "Action on Smoking and Health" في المملكة المتحدة، إلى أن FCTC " لا تزال متجذرة في تفكير عفا عليه الزمن"، مضيفًا أن البدائل الأقل خطورة مثل السجائر الإلكترونية، وأكياس النيكوتين، والتبغ المسخن يمكن أن تقلل التعرض للمخاطر بنسبة تصل إلى 90%-95% مقارنة بالسجائر التقليدية.
ورغم ذلك، يقول "بيتس" إن المنظمة ما زالت تتجاهل الأدلة العلمية التي تدعم هذه البدائل الخالية من الدخان، ما يعكس جمود السياسات العالمية تجاه واقع صحي متغير.
بدوره، حذر روجر بيت، باحث في المركز الدولي للقانون والاقتصاد بالولايات المتحدة، من أن المنظمة "إذا لم تستطع التطور لدمج العلم الحديث والحلول الواقعية، فإنها تخاطر بأن تصبح قديمة"، فيما وصف ديفيد ويليامز، رئيس تحالف حماية دافعي الضرائب، الرفض المستمر للبدائل الأقل خطورة بأنه "أمر خطير وغير مسؤول، ويمكن اعتباره إهمالًا في مجال الصحة العامة".
التحديات لا تقتصر على السياسات، بل تمتد إلى الممارسات التنظيمية للمنظمة. فالمادة 5.3 من الاتفاقية، المصممة لضمان عدم تضارب المصالح، استُخدمت وفق خبراء لإقصاء الأصوات المستقلة التي تقترح حلول الحد من المخاطر، ما جعل عمليات اتخاذ القرار أكثر سرية وأقل شفافية.
هذا النهج أثار انتقادات واسعة من الخبراء الذين يرون أنه يمنع استخدام الأدلة العلمية الحديثة في صياغة السياسات، ويضعف قدرة المنظمة على التعامل مع التحديات الصحية العالمية بفعالية.
وفي يونيو 2024، أثارت المنظمة جدلًا إضافيًا عندما وصفت السجائر الإلكترونية بأنها "خطرة جدًا"، في تصريح يتناقض مع الدراسات العلمية التي تظهر أن منتجات النيكوتين الأقل خطورة والتي تقصي الحرق تساعد ملايين الأشخاص على الإقلاع عن التدخين، ما عزز الانتقادات حول عدم تبني المنظمة استراتيجية الحد من المخاطر.
ولهذا، يرى الخبراء أن العالم بحاجة إلى مراجعة شاملة لنهج مكافحة التبغ خلال العقدين المقبلين، مؤكدين أن الاتفاقية الإطارية الحالية لم تعد كافية وحدها. ويشدّدون على أهمية تحديث السياسات الصحية العالمية بما يتماشى مع الأدلة العلمية، مع منح أهمية أكبر لاستراتيجيات الحد من المخاطر، كما أثبتت بعض الدول نجاحها باتباع هذا النهج، ما أدى إلى انخفاض ملموس في أعداد المدخنين البالغين وحماية آلاف الأرواح سنويًا.
ومع اقتراب COP11، يرى الخبراء أن المؤتمر يمثل فرصة حقيقية للمنظمة والدول الأعضاء لإعادة تقييم السياسات وتحديث الاستراتيجيات بحيث تصبح إدارة المخاطر جزءًا جوهريًا من مكافحة التدخين. ويؤكد الخبراء أن تبني هذا النهج المبني على الأدلة العلمية يمكن أن يحسن مصداقية المنظمة على الصعيد الدولي ويسهم في حماية ملايين الأرواح سنويًا.
وبينما تحتفل الاتفاقية الإطارية بمرور عشرين عامًا على تطبيقها، يعتبر المحللون أن COP11 سيكون اختبارًا لقدرة منظمة الصحة العالمية والدول الأعضاء على مواكبة الواقع الصحي الحديث، وتطوير سياسات قائمة على العلم بدل الأيديولوجيا، لضمان مستقبل أفضل للمجتمعات حول العالم.