تقرير: الضفة تقف على أعتاب موجة غير مسبوقة من النشاط الاستيطاني
قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، إن الضفة الغربية تقف على أعتاب موجة غير مسبوقة من النشاط الاستعماري، حيث تتسارع وتيرة المصادقات على مخططات البناء والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، خاصة بعد أن صادقت سلطات الاحتلال في نهاية آب/أغسطس الماضي على مشروع البناء في (E1) شرق القدس المحتلة، الذي يُعدّ الأخطر من نوعه منذ عقود.
وأضاف المكتب في تقرير الأسبوعي الذي يرصد الفترة من 1 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، أن ذلك يتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية نهاية العام المقبل، أو قبل ذلك إذا ما تم تقديم موعد الانتخابات، حيث يتسابق أعضاء الحكومة وفي مقدمتهم سموتريتش للترويج لمخططات استعمارية جديدة، مستغلاً منصبه الحالي لتكثيف الاستعمار ونهب الأراضي في الضفة الغربية، ما دفع صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى القول "إن وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، حطم الأرقام القياسية في قرارات البناء في المستعمرات وفي إعلان أراضٍ في الضفة الغربية كأراضي دولة"، وهذا وصف دقيق لسياسة سموتريتش، الذي بات يسيطر على كل ما يتصل بالنشاط الاستيطاني الاستعماري في الضفة الغربية.
وتابع المكتب، أنه "منذ تشكيل حكومة نتنياهو تم الإعلان عن 25,960 دونماً كأراضي دولة. ولإدراك مدى خطورة هذا الأمر، تم خلال السنوات السبع والعشرين الماضية إعلان 28,000 دونم فقط".
وأشار التقرير إلى أنه ووفقا للصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها، أعلن وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة جيش الاحتلال بتسلئيل سموتريتش الأسبوع الماضي أنه ستتم المصادقة على بناء ما يقارب 1973 وحدة استعمارية بالضفة الغربية، في إطار موجة البناء التي أطلقها سموتريتش منذ توليه منصبه، حيث نشرت ما تسمى "إدارة التخطيط في الإدارة المدنية" و"المجلس الأعلى للتخطيط في الضفة" جدول أعمال اجتماعهما المقبل، والذي من المتوقع أن تتم خلاله الموافقة على الخطط الجديدة.
وأوضح المكتب في تقريره، بأن هذه الخطوة تأتي في إطار سياسة سموتريتش المستمرة لتعزيز وتوسيع التجمعات الاستعمارية في جميع أنحاء الضفة الغربية. ومن بين المشاريع المتوقع الموافقة عليها: 133 وحدة استعمارية في "تفوح غرب" (إلى الجنوب من مدينة نابلس) و720 وحدة في "أفني حيفتس" (محاذية لمدينة طولكرم من الجهة الشرقية) و568 وحدة في "عيناف" (في محافظة طولكرم) ونحو 178 وحدة في "غاني موديعين" (في محافظة رام الله والبيرة) ونحو 246 في "روش تسوريم" (على أراضي قرية نحالين في محافظة بيت لحم) ونحو 128 وحدة في "عيتس إفرايم" (على أراضي قرية مسحة في محافظة سلفيت).
وتابع: في الوقت نفسه صادق ما يسمى "مجلس التخطيط الأعلى"، نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي على خطة لبناء 1300 وحدة استعمارية جديدة في تجمع "غوش عتصيون" الاستعماري جنوب مدينة القدس. وحسبما نقلت القناة 14 الإسرائيلية، ستُقام هذه الوحدات في حي "الجبل الروسي" جنوب مستعمرة "ألون شفوت"، إلى جانب مدارس ومبانٍ عامة وحدائق، ومنطقة تجارية واسعة يُتوقع أن تخدم المستعمرات المجاورة، ما يجعلها أكبر خطة استعمارية في المنطقة منذ فترة. كما أعطت سلطات الاحتلال، الضوء الأخضر رسميا لخطة "E1" الاستعمارية، التي تربط القدس بمستعمرة "معاليه أدوميم"، وتقطع التواصل الجغرافي في الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب، في خطوة تعبر عن تحول استراتيجي في خارطة الاستيطان الاستعماري. وتشمل الخطة بناء نحو 3400 وحدة استعمارية في منطقة كانت محل "وعود سياسية" متكررة منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث أكد أريئيل شارون في 1990 على أهميتها لخلق "استمرارية يهودية" وربط القدس بـ"معاليه أدوميم"، فيما أعلن لاحقاً كل من إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو نواياهم للاستعمار في المنطقة، لكن الخطط بقيت حبيسة الورق نتيجة ضغوط دولية وسياسية.
وأشار التقرير إلى أنه منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، الذي شكّل تحوّلاً جذريًا في المشهد السياسي والأمني، بات المستعمرون ينظرون إلى ما تلا ذلك باعتباره فرصة تاريخية. فقد استُخدم ذلك التاريخ وما تبعه من تطورات وحرب وحشية على قطاع غزة كمنصة انطلاق للهجوم على القرى والبلدات الفلسطينية، والاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي تحت ذريعة "الأمن" و"الحماية". فتصاعدت وتيرة الاستعمار والاستيلاء والهجمات إلى مستويات غير مسبوقة، لتصبح تلك الحرب ذريعة مثالية لتكريس واقع جديد على الأرض. وقد سجّل العام 2024 ارتفاعًا قياسيًا في خطط الاستعمار، حيث تم الدفع بـ 28,872 وحدة استعمارية في مراحل التخطيط والمناقصات، إضافة إلى إعلان أكثر من 24 ألف دونم كـ"أراضي دولة"، وهو ما يمثل نصف مجمل الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بهذه الصيغة منذ اتفاق أوسلو. أما في العام الجاري 2025، فقد واصل الاستعمار قفزاته، حيث تجاوزت الخطط المصادق عليها 21 ألف وحدة خلال أشهر معدودة فقط، بفضل اجتماعات أسبوعية لـ"مجلس التخطيط الأعلى".
وأوضح التقرير، أن الأمر لم يقتصر على مشاريع البناء في المستعمرات، بل رافق ذلك عمليات استيلاء واسعة على الأراضي الفلسطينية. ففي آذار/مارس 2024 أعلنت إسرائيل الاستيلاء على 8000 دونم بالأغوار، تلاها الاستيلاء على 12700 دونما في تموز/يوليو من نفس العام في أكبر عملية استيلاء منذ 30 عامًا. هذه الإجراءات، وفق جميع التقديرات تهدف إلى إغلاق المساحات الحيوية أمام الفلسطينيين وتهيئة الأرض لخطط استعمارية مستقبلية. وقد ترافق ذلك أيضا مع تواطؤ واضح لحكومة الاحتلال في نشر وتمويل ما يسمى بالبؤر الرعوية الاستعمارية، حيث كشفت تقارير متطابقة لمنظمات إسرائيلية وفلسطينية وأخرى اوروبية وأممية عن عمق تورط الحكومة الإسرائيلية في تمويل بؤر رعوية ودعم أعمال العنف التي يقوم بها مستعمرون في مناطق مختلفة من الضفة الغربية بهدف تهجير السكان الفلسطينيين بالقوة. وتكشف تلك التقرير كما تكشف الوقائع على الأرض كذلك أنه تم بمساعدة من الحكومة الإسرائيلية، إنشاء نحو 150 بؤرة رعوية في السنوات الأخيرة، العشرات منها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، سيطر المستعمرون من خلالها على مساحة قدرها 786 ألف دونم، أي ما يعادل 14% من أراضي الضفة الغربية.
وبين التقرير، أن الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين لا يتم فقط من خلال وجود هذه البؤر الرعوية الاستعمارية، بل من خلال ما يتبعها من هجمات ومضايقات وأعمال إرهاب متكررة، أتثبت فعاليتها عند رؤية المنازل ومراكز السكن المدمرة وما رافقها تهجير أكثر من 60 تجمعا بدويا فلسطينيا. وبحسب تقرير لمنظمة "يش دين" الإسرائيلية الذي ركّز على مدار عامين على المنطقة الواقعة شرق "طريق ألون" (الطريق الممتد ما بين شرق رام الله إلى الأغوار)، فإنه كانت تبلغ مساحة تلك المنطقة نحو 100 ألف دونم وكانت تقطن فيها منذ ما يزيد على عامين بقليل، سبعة تجمعات فلسطينية يبلغ عدد سكانها نحو ألف نسمة، وقد نجحت 11 بؤرة رعوية استعمارية أنشئت بالمنطقة في تهجير هذه المجتمعات ودفعها إلى مغادرة مساكنها قسرا.
وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، مؤخرا، أن مكتب وزيرة الاستيطان اوريت ستروك من حزب الصهيونية الدينية، تقوم بتحويل 75 مليون شيقل لتمويل "المكونات الأمنية" لنقاط الاستيطان، وهو الاسم الرمزي للبؤر الرعوية الاستعمارية بعد ان رفع وزير المالية سموتريتش ميزانية وزارة الاستيطان التي تقودها الوزيرة المتطرفة من 123 مليون إلى 391 مليون شيقل، أي بزيادة قدرها 320%، في وقت عانت فيه ميزانيات التعليم والرعاية الاجتماعية والصحة من تخفيضات كبيرة، بحسب الصحيفة، كما تمول وزارة الزراعة الإسرائيلية تحت بند "منح المراعي" تلك البؤر، وخلال الفترة ما بين 2017 حتى 2024، حولت ما يقارب 3 ملايين شيقل لها، فيما استثمر "الصندوق القومي اليهودي" فيها ما يقارب 4.7 مليون شيقل، بتمويل من المتطوعين، بمعنى أن جهات متعددة تقوم بتمويل هذه البؤر الاستعمارية التي تهدف بشكل أساسي إلى تهجير الفلسطينيين من ديارهم. ووثقت الأمم المتحدة تهجير ما يقارب 2,895 فلسطينيًا منذ عام 2023 بسبب عنف المستعمرين، بينهم 636 فلسطينيا منذ مطلع العام الجاري، حيث تصاعدت اعتداءات المستعمرين بشكل قياسي في عامي 2024 و2025، وشهد موسم قطف الزيتون أوسع موجة إرهابية ينفذها المستعمرون بحماية جيش وشرطة الاحتلال ضد المزارعين الفلسطينيين.
وأردف تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، أنه وفي سياق موجة الاستعمار الجديدة، طرحت سلطات الاحتلال مناقصتين جديدتين لبناء حي استعماري في مستعمرة "آدم/جفعات بنيامين" شمال شرق مدينة القدس، في سباق محموم لفرض وقائع ديمغرافية وجغرافية جديدة تخدم مشروع "القدس الكبرى"، تتضمن الأولى بناء 342 وحدة استعمارية موزعة على خمسة مجمعات، فيما تشمل الثانية 14 منزلًا منفصلًا مخصّصًا لجنود الاحتياط في جيش الاحتلال ضمن مخطط أشمل لربط المستعمرة بالبؤرة الاستعمارية "جفعات غور أرييه"، التي أُقيمت في شباط/فبراير الماضي بمحاذاة بلدة جبع، كما نشرت سلطات الاحتلال الأحد الماضي مناقصة إضافية لتخطيط وبناء مجمّع استعماري جديد في مستعمرة "جبعون الجديدة" شمال غرب القدس، بما يعزّز الطوق الاستعماري حول العاصمة المحتلة، كما أصدرت سلطات الاحتلال أمرًا عسكريًا جديدًا يقضي بالاستيلاء على أراضٍ فلسطينية في منطقة عناتا تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 5,856 دونمًا، من بينها 5254 دونمًا صنفت كـ"أراضي دولة"، و602 دونما أملاك خاصة لمواطنين فلسطينيين من البلدة.
وذكر أن 16 ألف دونم من أراضي بلدة عناتا البالغة 34 ألف دونم تصنفها دولة الاحتلال كأراضي دولة. كما استولت سلطات الاحتلال على نحو 6 دونمات من أراضي البلدة من خلال "أمر عسكري" تحت مسمى "أوامر وضع يد" و"الأمر العسكري" الذي حمل الرقم ت/65/25 يهدف إنشاء شارع استعماري يربط مستعمرة "نفي برات" بشارع رقم 437.
وفي السياق نفسه، كشفت بلدية الخليل عن مخطط استعماري قديم/ جديد تسعى سلطات الاحتلال لتنفيذه في أرض سوق الخضار المركزي (الحسبة القديمة)، بعد أن أعلنت ما تسمى "لجنة التنظيم والبناء في الإدارة المدنية" عزمها المضي قدما فيه لإقامة 63 وحدة استعمارية موزعة على عمارتين، بارتفاع 6 طوابق فوق الأرض، وطابقين للكراجات تحت الأرض، إضافة إلى مبنى ثالث مكوَّن من 3 طوابق، يضم صفوفا تعليمية، ومكتبة وكنيسا، وبمساحة إجمالية تقدر بنحو 12500 متر مربع.
وقالت البلدية إن هذا الإعلان يشكّل اعتداء صارخا على صلاحياتها، ومخالفة واضحة لمصالح المدينة وسكانها، وانتهاكا لمبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يحظر مصادرة الممتلكات الفلسطينية أو استغلالها أو هدمها دون مبرر وأنها ستتخذ جميع الإجراءات القانونية المتاحة للاعتراض على القرار، حفاظا على حقوق المواطنين، وصونا للمصلحة العامة للمدينة. وكان رئيس بلدية الخليل تيسير أبو سنينة المعتقل حاليا في سجون الاحتلال قد قال إن "السوق ملك لبلدية الخليل التي تملك كل الأوراق الخاصة بذلك، وأن البلدية كانت قد ربحت قضايا رفعتها على سلطات الاحتلال بشأن السوق". وكان السوق يختص ببيع الخضار، قبل أن يغلقه الاحتلال أمام المواطنين عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي، التي نفذها المستعمر باروخ غولدشتاين في 25 شباط/ فبراير 1994، وأسفرت عن استشهاد 29 مواطنا، وإصابة 125 على الأقل.
وفي الانتهاكات الإسرائيلية التي وثقها المكتب الوطني للدفاع عن الأرض فقد كانت على النحو التالي في فترة إعداد التقرير:
القدس: اعتدى مستعمرون على تجمع "المعازي" البدوي شرق بلدة جبع، ورشقوا مساكن المواطنين بالحجارة وأحرقوا الإطارات المطاطية، كما اعتدى آخرون على أراضي المواطنين وممتلكاتهم في بلدة أم طوبا. وفي بلدة عناتا أقام مستعمرون بؤرة استعمارية جديدة على أراضي المواطنين بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال ترافقها جرافة المنطقة وشرعت بتجريف مساحات من الأراضي ونصبت كرفانات، وخيم، وغرف متنقلة، ورفع جنود الاحتلال علم "الهيكل" المزعوم في المكان.
وفي خلة سدرة التابعة لبلدة مخماس، هاجم مستعمرون تجمعا في المكان، ودمروا شبكات المياه التابعة للتجمع، وعبثوا بمحتويات البيوت. ومنذ عدة أشهر، يشهد التجمع اعتداءات متكررة من قبل المستعمرين، بهدف تهجير سكانه.
وفي حي البستان في سلوان أجبرت سلطات الاحتلال المقدسي موسى بدران على هدم منزله قسرًا، وعائلة درباس في العيسوية على هدم حظيرة لتربية الحيوانات بحجة عدم الترخيص.