خطة أمريكية لإعادة هندسة غزة سياسيًا فوق ركام الإبادة
ليست “خطة إعمار” بقدر ما هي محاولة لتسويق الابادة تحت اسم الازدهار. ففي اللحظة التي ما تزال فيها جثث الفلسطينيين تحت الأنقاض، تُقدِّم واشنطن خرائط ناطحات سحاب ومنتجعات بحرية، مشروطة بنزع السلاح وتجريد غزة من معناها السياسي. "ريفييرا الشرق الأوسط" ليست وعدًا بالحياة، بل صيغة ناعمة لفرض الاستسلام، حيث يُستبدل الحق بالمقاومة، والإعمار بالوصاية، والركام بصفقة تُدار من خلف الشاشات لا من بين الضحايا.
وليست المشكلة في أحلام الأبراج الزجاجية ولا في خرائط "المدن الذكية" التي تُرسم فوق ركام غزة، بل في الثمن السياسي الذي تُطالَب به مدينة مدمَّرة مقابل وعود الإعمار. فخطة "شروق الشمس" الأمريكية لا تُقدَّم كاستجابة لكارثة إنسانية غير مسبوقة، بل كصفقة مشروطة: نزع السلاح أولًا، إعادة تشكيل الواقع السياسي ثانيًا، ثم الحديث لاحقًا عن إعادة البناء. وبين الركام والشرائح التقديمية، تُعاد صياغة غزة بوصفها مشروعًا استثماريًا لا قضية تحرر.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال الأمريكية" عن خطة تروّج لها الولايات المتحدة تحت اسم "مشروع شروق الشمس" تهدف إلى إعادة إعمار قطاع غزة وتحويله، خلال عقد من الزمن، إلى مدينة تكنولوجية متطورة ووجهة ساحلية فاخرة، بتكلفة تُقدّر بنحو 112.1 مليار دولار، وبمشاركة أمريكية مباشرة في التمويل والضمانات.
وبحسب الصحيفة، فإن الخطة التي أعدّها فريق يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلى جانب ستيف ويتكوف ومسؤولين آخرين في البيت الأبيض، تتضمن التزام واشنطن بدور «الداعم الرئيسي» عبر تقديم ما يقارب 60 مليار دولار من المنح وضمانات الديون، مع استعداد الولايات المتحدة لتغطية 20% أو أكثر من بعض تكاليف إعادة الإعمار على مدى عشر سنوات.
ملامح الخطة: منتجعات وذكاء اصطناعي وقطارات فائقة السرعة
وتعرض الخطة، المكوّنة من 32 صفحة من شرائح باوربوينت، تصوراً شاملاً لتحويل أنقاض غزة إلى مدينة عصرية، تشمل منتجعات فاخرة على شاطئ البحر، وشبكات نقل حديثة، وقطارات فائقة السرعة، وبنية تحتية ذكية مدعّمة بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى نقل السكان «من الخيام إلى الشقق الفاخرة، ومن الفقر إلى الرخاء»، وفق توصيف الصحيفة.
وأشارت وول ستريت جورنال إلى أن العرض التقديمي صُنّف على أنه «حساس لكنه غير سري»، ولم يحدد بدقة أسماء الدول أو الشركات التي ستتولى تمويل المشروع، كما لم يوضح بشكل قاطع أماكن إقامة نحو مليوني فلسطيني نازح خلال سنوات إعادة الإعمار.
تسويق دولي وشكوك داخلية
وأفادت الصحيفة بأن إدارة ترامب عرضت الخطة على دول مانحة محتملة، من بينها دول خليجية ثرية، وتركيا، ومصر، في محاولة لحشد الدعم الدولي للمشروع. إلا أن عدداً من المسؤولين الأمريكيين الذين اطّلعوا على المسودة أبدوا شكوكاً جدية حول واقعيتها، لا سيما في ظل اشتراطها نزع سلاح حركة حماس وتفكيك بنيتها العسكرية.
ويرى هؤلاء المسؤولون أن فرص موافقة حماس على نزع سلاحها ضئيلة، وحتى في حال تحقق ذلك، فإن إقناع الدول الغنية بالاستثمار في بيئة ما بعد حرب لا تزال محفوفة بالمخاطر الأمنية، يُعد تحدياً بالغ التعقيد.
شرط حاسم: نزع سلاح حماس
وتقرّ الخطة، وبخط عريض باللون الأحمر في صفحتها الثانية، بأن إعادة إعمار غزة مشروطة بنزع سلاح حماس وتفكيك جميع الأنفاق والأسلحة. ويرى محللون أن هذا الشرط يجعل المشروع سياسياً وأمنياً بامتياز، أكثر منه خطة إنسانية أو تنموية.
وقال ستيفن كوك، الباحث البارز في شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، إن إعداد الشرائح والعروض «لا يغيّر شيئاً على الأرض»، مضيفاً: «لن يحدث شيء حتى تتخلى حماس عن سلاحها، وحماس لن تفعل ذلك، وبالتالي لن يحدث شيء».
موقف البيت الأبيض
وفي رد على طلب للتعليق، قال متحدث باسم البيت الأبيض إن الرئيس ترامب «يواصل مراقبة الوضع في غزة وخطة السلام»، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية «ستعمل مع شركائها من أجل إرساء سلام دائم ووضع الأسس لغزة تنعم بالسلام والازدهار».
مراحل التنفيذ: من الإغاثة إلى الرفاه الفاخر
ووفق خارطة الطريق، تمتد الخطة لأكثر من عشرين عاماً، تبدأ بمراحل إنسانية عاجلة تشمل إزالة الأنقاض، والذخائر غير المنفجرة، وأنفاق حماس، إلى جانب توفير مأوى مؤقت، ومستشفيات ميدانية، وعيادات متنقلة. وبعد ذلك، يُشرع في بناء مساكن دائمة، ومدارس، ومرافق طبية، وأماكن للعبادة، وشق الطرق، ومد شبكات الكهرباء والمياه، وزراعة المحاصيل.
ولا تبدأ المشاريع الفاخرة طويلة الأمد، مثل العقارات الساحلية ومراكز النقل الحديثة، إلا في المراحل المتقدمة من الخطة.
أربع مراحل جغرافية و«رفح الجديدة»
وأوضحت الصحيفة أن إعادة الإعمار ستتم عبر أربع مراحل جغرافية، تبدأ في جنوب القطاع من رفح وخان يونس، ثم تمتد شمالاً إلى «المخيمات المركزية»، وصولاً إلى مدينة غزة.
وتتضمن إحدى شرائح الخطة تصوراً لما أُطلق عليه اسم «رفح الجديدة»، كمركز لحكم غزة، وموطناً لأكثر من 500 ألف نسمة، مع أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، و200 مدرسة، وأكثر من 75 مرفقاً طبياً، و180 مسجداً ومركزاً ثقافياً.
أرقام ضخمة وعوائد مستقبلية
وتقدّر الخطة الكلفة الإجمالية بـ 112.1 مليار دولار، تشمل رواتب القطاع العام، على مدى عشر سنوات، مع تخصيص الجزء الأكبر منها في السنوات الأولى للاحتياجات الإنسانية. وسيُموَّل نحو 60 مليار دولار عبر المنح والديون الجديدة، مع دور متوقع للبنك الدولي.
وتتوقع الخطة أن تتراجع التكاليف تدريجياً مع تحسن الاقتصاد المحلي، وتدعو إلى استثمار 70% من ساحل غزة ابتداءً من السنة العاشرة، مع تقديرات بعائدات طويلة الأجل قد تتجاوز 55 مليار دولار.